الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ،،،
فقد كنت أصلي العشاء والتراويح في الأيام الماضية عند أحد المشايخ المعروف بحسن صوته وما ذلك إلا لأن حسن الصوت يساعد على الخشوع في الصلاة فالعبد يكتب له من صلاته بقدر خشوعه فيها قال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّى الصَّلاَةَ مَايُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا » رواه أحمد في مسنده .
وفي اليوم الأول الذي حضرت فيه عند الشيخ كان المسجد مكتظ بالمصلين من قبل أذان العشاء وحتى صلاة الوتر .
وفي اليوم الثاني كذلك كان المسجد مكتظ بالمصلين من قبل أذان العشاء وحتى صلاة الوتر .
وفي اليوم الثالث حدث أمر خطير جئت إلى المسجد كعادتي ووجدت المصلين مكتظين قبل أذان العشاء وعندما أقيمت الصلاة وإذا بالشيخ لم يحضر وأم المصلين شخص آخر وليس هذا هو الأمر الخطير بل الأمر الخطير هو أنه بعد صلاة العشاء خرج من المسجد من المصلين مايقرب نصفهم ولم يكملوا صلاة التراويح مع الإمام فقلت في نفسي سبحان الله إن الذين خرجوا من المسجد بعد صلاة العشاء ولم يصلوا التراويح مع الإمام لهم أقسام أربعة :
قسم صلى العشاء مع الإمام وكان لديه في الأصل عمل أو موعد ضروري ولم يكن يقصد من بداية الأمر أن يصلي التراويح مع الإمام فهذا نقول له حاول أن تجتهد في العبادة قدر المستطاع وأن تترك الأعمال الأخرى فإن سلف هذه الأمة كانوا يتفرغون للعبادة في شهر رمضان وإن لم تستطع فـ " لايكلف الله نفسا إلا وسعها " ولاشي عليك بإذن الله تعالى .
وقسم آخر صلى العشاء مع الإمام فلما علم أن الشيخ حسن الصوت قد اعتذر وأن الإمام شخص آخر ، خرج من المسجد يبحث عن شيخ حسن الصوت ليكمل معه التراويح وهذا لم ينتبه أنه فقد أجر قيام الليلة كاملة قال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ » رواه أبوداود .
فليتوقف أولئك الذين يتنقلون من شيخ إلى آخر في التراويح فتجده في الركعتين الأوليين عند فلان وفي الأخريين عند فلان حتى أضاع ليلته بين هذا وذاك !!!
وقسم ثالث ترك الصلاة لعدم حضور الشيخ وهذه هي الطامة الكبرى والمصيبة العظمى قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما . فإن هذا المصلى لما ترك صلاة التراويح لأجل عدم حضور الشيخ كان قد دخل في الشرك والعياذ بالله فالعمل لأجل الناس شرك والعياذ بالله ويجب أن يخلص العمل لله عزوجل قال صلى الله عليه وسلم « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ » رواه مسلم .
وقال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الزمر65 .
فالله تبارك وتعالى يخاطب بهذه الآية داعية التوحيد العظيم، وإمام الموحدين، وهو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ) فكل الرسل أوحى الله إليهم؛ بهذا الأمر العظيم ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) فإذا كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحذر رسوله ومصطفاه وخيرته من خلقة محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ من الشرك ، فيجب علينا نحن الضعفاء، والذي احتمال وقوعنا في الشرك وارد أن نحذر منه، أما هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالاحتمال فيه غير وارد، ولكن التحذير له من باب التذكير.( دروس في رحلة فتح المجيد للشيخ سفر الحوالي )
وقسم رابع أصابهم العجز والكسل إما لكثرة الأكل أو لضعف الهمة فأولئك عليهم بالدعاء كما كان يدعو صلى لله عليه وسلم ويَقُولُ : « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ » رواه البخاري .
وليجتهدوا في الطاعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في رمضان ويدارسه جبريل عليه السلام القرآن .
كما علينا أن نعمر مساجد الله عز وجل قال جل وعلا : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) التوبة 18 .
قال ابن كثير رحمه الله : فَشَهِدَ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ لِعُمَّار الْمَسَاجِد كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد …عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُل يَعْتَاد الْمَسْجِد فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ " قَالَ تَعَالَى " إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " تفسير ابن كثير سورة التوبة 18.
فلابد من عمارتها بالطاعات بالصلاة والذكر وقراءة القرآن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « َمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ » رواه مسلم .
وعلينا الاهتمام ببنائها والمحافظة عليها وتعليم أولادنا ذلك وأن لايكونوا ممن يخربها قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ ». رواه أحمد في مسنده .
ومفحص القطاة هو الموضع الذي تجلس فيه القطاة وهي اليمامة وتبيض فيالكرم الله عزوجل .
كذلك علينا الاهتمام بنظافتها والتجمل عند الذهاب إلى المسجد قال الله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف 31 ، قال ابن كثير رحمه الله : مِنْ السُّنَّة يُسْتَحَبّ التَّجَمُّل عِنْد الصَّلَاة وَلَا سِيَّمَا يَوْم الْجُمْعَة وَيَوْم الْعِيد وَالطِّيب لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَة وَالسِّوَاك لِأَنَّهُ مِنْ تَمَام ذَلِكَ وَمِنْ أَفْضَل اللِّبَاس الْبَيَاض ...عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « اِلْبَسُوا مِنْ ثِيَابكُمْ الْبَيَاض فَإِنَّهَا مِنْ خَيْر ثِيَابكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَإِنَّ خَيْر أَكْحَالكُمْ الْإِثْمِد فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَر وَيُنْبِت الشَّعْر » رواه أحمد في مسنده وانظر تفسير ابن كثير الأعراف 31 .
إن من الناس من يأتي المسجد مبكرا ولكنه للأسف ينشغل عن العبادة بالأحاديث الدنيوية التي لاتسمن ولاتغني من جوع مفوتا على نفسه الأجر العظيم وأذكر نفسي وإياكم بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فقال أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَهْ مَهْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ : « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ » رواه مسلم .
كذلك لابد أن تنتبه أخي الحبيب إلى عدم رفع صوتك في المسجد لأن هناك من الناس من يدخل المسجد وكأنه في سوق فيرفع صوته ويشوش على المصلي والقارئ والذاكر ، عَنِ الْبَيَاضِىِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ : « إِنَّ الْمُصَلِّىَ يُنَاجِى رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ وَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ » رواه مالك في موطئه .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نرفع أصواتنا على بعضنا ونحن نقرأ القرآن فكيف بغيره ؟
أخي الحبيب إن المسجد يذكرك فيقول :
أنا مسجـد لله مـر بســاحتي $$$ دهـر طـويل وانطـوت أعمـار
كم زارني التـاريخ زورة عـاشق $$$ ولكم تجمـع عنـدي الأبــرار
بالأمس تمتلئ القلـوب مهـابـة $$$ منى وتشرح صـدري الأذكــار
ويرتـل القـرآن بين جـوانجي $$$ فجـوانحي بهـدى الكتاب تنـار
وتثير إعجـاب السحـاب مآذني $$$ وتحيـطني بحنـانهـا الأســوار
كم جـاء من يـأوي إلى فضمه $$$ صدري الحنـون وزالت الأخطـار
عندما يئن العفاف للعشماوي ص 136-137
اللهم وأزل عنا الأخطار واجعلنا ممن يأوي إلى بيتك ومن عماره ياكريم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .