سيجد القارئ في مناظرات الفقهاء العجب العجاب من حضور البديهة والقدرة على الاستباط.
وهذه المناظرة من أروع ما قرأت ،وهي بين الإمام الشافعي والإمام الشيباني تلميذ أبي حنيفة ،حيث اختلفا في مسألة الغصب، فكان الشافعي يقول برد المغصوب للمغتصب منه،حتى لو كان الغاصب قد غَرِمَ عليه.
أما الإمام الشيباني فكان يخالف الشافعي في الحكم،لأنه يرى أن ذلك فيه مضرة وغرم على الغاصب.
وإليكموها:
قال الشيباني: ما تقول يا شافعي في رجل اغتصب أرضا،وأقام عليها منزلا،ثم جاء صاحب الأرض بشاهدين عدلين أن الأرض له؟
قال الشافعي:إذا رضي صاحب الأرض بقيمتها،وإلا أجبرتُ الغاصب على هدم الدار وأردها لصاحبها.
فقال الشيباني:ما تقول يا شافعي في رجل غصب لوحا من الخشب،وجعله في سفينة وأبحر بها،ثم جاء صاحب اللوح بشاهدين عدلين أن اللوح له،
فهل تأمره بأن يقلع اللوح من السفينة؟
قال الشافعي: لا.
فقال الشيباني: تركتَ حكمك يا شافعي.
ثم أضاف الشيباني: ما تقول يا شافعي في رجل اغتصب خيطا،وخاط به جرحا في بطنه. ثم جاء صاحب الخيط بشاهدين عدلين أن الخيط له.
فهل تأمره برد الخيط لصاحبه؟
قال الشافعي: لا.
قال الشيباني: الله أكبر.. تركتَ حكمك يا شافعي.
فقال الشافعي: أرأيت يا شيباني لو أن صاحب الأرض أراد أن يهدم البيت الذي أقامه عليها. فهل ذلك مباح أو محرم؟
قال الشيباني: مباح.
فقال الشافعي:أريتَ يا شيباني لو أن صاحب اللوح الذي في السفينة أراد أن يقلع اللوح بنفسه وهم في عرض البحر. فهل ذلك مباح أو محرم؟
قال الشيباني: محرم.
فقال الشافعي: أرأيتَ يا شيباني لو أن صاحب الخيط أراد أن ينزع الخيط من بطنه.
هل ذلك مباح أو محرم؟
قال الشيباني: محرم
فقال الشافعي: رحمك الله يا شيباني وكيف تقيس مباحا على محرم؟
فقال الشيباني: وكيف أصنع بصاحب السفينة؟
فقال الشافعي: آمره يسيرها إلى أقرب ساحل. وآخذ اللوح وأعيده لصاحبه.
فقال الشيباني ولكن في ذلك ضرر،والرسول يقول: لا ضرر ولا ضرار.
فقال الشافعي: هو من ضرَّ نفسه.